لعنة الله عليكم اخرجوا من بلادنا
الدوحة- طالب العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بإجراء تحقيق فوري ومحاكمة علنية في فضيحة تأجيل رفع تقرير إدانة إسرائيل في حربها على غزة إلى الأمم المتحدة، التي تورطت فيها السلطة الفلسطينية، مؤكدا أنه
"إذا فقدنا الثقة بمعظم القادة السياسيين فلن نفقدها في جماهير الامة الإسلامية فالأمة بخير لاتموت أبدا".
ودعا فضيلته في خطبة الجمعة من مسجد عمر بن الخطاب الأمة جميعها لأن تهب من أجل الاقصى ومن أجل القدس، محملا كل فرد المسؤولية عن ذلك، ونافيا أن تكون القدس مسؤولية الحكام وحدهم أو الفلسطينيين وحدهم أوالعلماء وحدهم، وتساءل: متى ستتحرك الأمة؟ متى يتحرك أبناؤها وقادتها التي ولتهم الأمة أمورها؟! هل ولتهم الأمر حتى يتمتعوا بكل شيء ثم لايصنعوا شيئا إذا ديست حرماتها؟!
وقال ساخرا: عذرهم أن العدو يمسك عليهم تسجيلات وهم يطالبون الكيان الصهيوني بأن يستمر في عدوانه، مطالبا بلجنة حيادية فلسطينية عربية تتقصى الحقائق وتبينها لنا ثم تعرضها على الأمة لتحاكم هؤلاء محاكمة علنية.
وبدأ فضيلته الخطبة قائلا: إن أهم ما يمكن ان يستعيذ منه المسلم هو الكوارث والمحن وشر الفتن، ذلك أن الفتن حين تصيب الامة تمزقها كل ممزق وتغير هويتها وتحرف مسيرتها.. والفتن نوعان: فتن من خارج المسلمين، وفتنة من داخل المسلمين، مفصلا ذلك على مر التاريخ الاسلامي، ومذكرا بنزول القرآن ليواسي المسلمين ويعزيهم..
" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"، معددا إصابة الفتن للمسلمين في أبدانهم وفي أرزاقهم وفي أنفسهم وفي ايمانهم، مستشهدا بعمار بن ياسر وتعذيبه وأمه سمية وقول النبي لهم: "صبرا آل ياسر فإن موعكم الجنة"، ومات الاب والام تحت العذاب.. قائلا: من اجل هذه الفتن شرع القتال للمسلمين حتى لايفتن احد في دينه "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله".
واعتبر القرآن ان الفتنة اشد من القتل وان الفتنة نوع من القتل لان القتل اعتداء على كيان الانسان المادي اما الفتنة فهي اعتداء على كيان الانسان الروحي وارادته واختياره.. وذكّر فضيلته بالفتنة في الداخل بين المسلمين بعضهم وبعض فتلتبس عليهم الامور والحقائق ويختلط الحابل بالنابل وحذّرت الاحاديث منها، وفي هذه الفتن يهون الدين على الناس وتعظم الدنيا في اعينهم ويصبح الناس عبيد المال والسلطة والجاه والمنصب وينسون ربهم وآخرتهم..
إن من شر ماتبتلى به الامم التفرق الذي يجعلها شراذم يعادي بعضها بعضا، بل تجعل بعض الناس ينضم الى اعدائه ضد اهله واصحابه، وهي الفتن التي اصبحنا نراها باعيننا ونلمسها بايدينا، وكنا نقرأ عنها في الكتب ولانكاد نصدق حتى رأيناها عيانا بيانا ولمسناها جهارا نهارا.
حدث مالا يعقل
أرأيتم ماحدث في قضية فلسطين؟ قضية العرب والمسلمين الأولى في هذه الايام الاخيرة؟ حدث مالا يعقل ولايتصور ولايصدق، مايشبه الاساطير:ان يحرض الانسان على اهله! يحرض اعداءه على قومه! هذا مارأيناه.. رأينا الامم المتحدة ومجلس حقوق الانسان تتحدث عن حرب غزة الظالمة الباغية التي لم تتقيد باخلاق ولا بدين ولا بقانون ولا بأي شيء، طغت في البلاد واكثرت فيها الفساد، سفكت الدماء وهتكت الاعراض وانتهكت الحرمات ودمرت البيوت والمساجد وقتلت من المدنيين والشيوخ والاطفال والنساء ما يعلم الجميع..
وتأتي بعض الجهات بدلا من ان تحق الحق وتبطل الباطل وتقول كلمة من اجل الحقيقة، ومن قومنا ومن اهلنا ويحسب علينا وينسب الينا؛ يقول لهؤلاء: لا أجلوا هذا الامر.. أهذا يصدق؟! أن يقف الانسان ضد اهله؟! ضد نفسه؟ إلا ان يكون هؤلاء ليسوا منا... هم ليسوا منا، ولسنا منهم، لو كانوا منا لغاروا علينا وحسبوا لنا حسابا ولسعوا من اجل الامة؛ ولكنهم وقفوا مع الاعداء واعتذروا عن هذا الموقف، بماذا؟ انه عذر اقبح من ذنب: كانوا مضطرين الى هذا الموقف لان العدو يمسك عليهم اشياء لو اعلنها على الناس لكانت فضيحة الدهر، انه يسجل عليهم تسجيلات وهم يطالبون الكيان الصهيوني بأن يستمر في عدوانه وألا يكف عنه حتى يرغم هؤلاء على الركوع والخضوع.. حتى قال لهم بعضهم: هناك مدنيون.. فرد اخواننا على العدو بأنهم يستحقون فهم انتخبوهم واضربوهم جميعا!
لجنة حيادية
اتصدقون هذا؟ اهذا يمكن ان يحدث؟ انني من فوق هذا المنبر ادعو الى التحقيق الفوري في هذه القضية الكبيرة، تقوم به لجنة حيادية فلسطينية عربية تتقصى الحقائق وتبينها لنا ثم تعرضها على الامة لتحاكم هؤلاء محاكمة علنية، ولو ثبت انهم فعلوا ذلك فلابد ان ينالوا عقوبتهم ويجردوا مما اصبحوا يتمكنون منه؛ فلا يمكن ان يكونوا امناء على هذه الامة. كيف تجعل الذئب راعيا، كيف تجعل الخائن مؤتمنا؟! هذه هي المصيبة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ان من بين يدي الساعة سنين خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويخون فيها الامين ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في امر العامة"...
رأينا الخائنين بل رأينا المنافقين، بل رأينا الذين يبيعون انفسهم واوطانهم واديانهم واخلاقهم وكل شيء بثمن بخس " اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا".. الدنيا كلها لاتساوي عند الله جناح بعوضة، فماذا ينال هؤلاء من جناح البعوضة؟! باعوا اوطانهم من اجل جزء من جناح البعوضة باعوا اهليهم وشرفهم وكرامتهم.. خيبة الله عليكم، لعنة الله عليكم بوءوا بخزيكم، أخرجوا من هذه البلاد.. لستم اهلا لها، لقد خنتموها في اعز ما اؤتمنتم عليه...
يتولاها الأمناء
وقال فضيلته ماذا جرى للامة التي كانت في القمة حوالي عشرة قرون كانت هي الامة الاولى في العالم الاول، رائدة الحضارة، امة العلم والثقافة، عليها ومنها تعلمت اوربا يأخذون منها العلم والعمل والقيم والاخلاق، حين تتمسك هذه الامة بالاسلام تعلو رايتها واذا بعدت عن دينها تمكن منها اعداؤها وسلط عليها خصومها..
وهذا ما رأيناه في حروب الفرنجة وحروب التتار، حتى هيأ الله رجالا يدافعون عن حرماتها ويردون عنها اعداءها وينفخون فيها من روحهم وتعاد اليها قوتها مثل عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الايوبي: هؤلاء هم الذين جمعوا الامة من شتاتها واحيوها من مواتها وخاضوا الجهاد لتحريرها، وبمثل هؤلاء تنتصر الامم وتعز الرسالات وتعلو كلمة الله في الآفاق، اما الخونة والمنافقون والذين يبيعون دينهم بدنياهم بل بدنيا غيرهم فلا قيمة لهم.. لايجوز للخائن ان يتولى امانة الامة بل يتولاها الامناء "إن خير من استأجرت القوي الامين". أما الضعيف وأما الخائن فلا يستطيع ان يحمل مسؤولية ابدا..
الاقصى الحبيب
وانتقل فضيلته الى المسجد الاقصى متحدثا عن أن الله عز وجل قد ربطه بالمسجد الحرام وان المسجد الاقصى منتهى الاسراء ومبتدى المعراج، منه عرج بمحمد الى السماء وفيه أمّ محمد الرسل والنبيين وصلى بهم إماما، إشعارا بأن الامة انتقلت الى قيادة جديدة، من بني اسرائيل الى الامة العالمية التي تنتمي الى هذا الدين العظيم "كنتم خير امة اخرجت للناس".. "امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"..
هذا المسجد الآن وقبل الآن يتعرض لخطر شديد خاصة بعد الاحتلال الصهيوني للضفة وغيرها في 1967 ومن يومها وهم يفعلون مايشاؤون بالمسجد المقدس: حفريات من تحت وانتهاكات من فوق وكل يوم انتهاك جديد والامة لاتصنع شيئا، والامة منذ اربعين عاما من اغسطس1969 ومنذ احرق هذا الاسترالي جزءا من منبر صلاح الدين ثارت الامة الاسلامية واجبرت قادتها وملوكها وامراءها على ان يجتمعوا لاول مرة في القمة الاسلامية..
الآن يتعرض المسجد الاقصى لأخطار، خطر بعد خطر والامة لا تصنع شيئا حتى لا تحتج الاحتجاج القوي الصارخ الذي يدوي ولانسمعه، هناك فقط احتجاجات على استحياء خافتة من هذا وذاك: متى ستتحرك الامة؟ متى يتحرك ابناؤها وقادتها التي ولتهم الامة امورها!! هل ولتهم الامر حتى يتمتعوا بكل شيء ثم لايصنعوا شيئا اذا ديست حرماتها؟ على هؤلاء ان يقوموا بواجبهم، ووالله انهم قادرون على ان يصنعوا الكثير لو صدقت ارادتهم وتوحدت كلمتهم، لكن المشكلة انهم لايريدون ان يجتمعوا! متسائلا: هل الاقصى ملك للفلسطينيين وحدهم؟! لا انه للمسلمين جميعا وكل واحد يعرف حتى العامي ان الدفاع عن ارض الاسلام واجب على الامة الاسلامية، حتى تتحرر اي ارض من ارض الاسلام؛ فما بالكم بأن هذا الجزء المحتل من ارض النبوات، ارض المقدسات، ارض الاسراء والمعراج.. المسجد ليس مباركا وحده فقط بل الارض حوله مباركة وهذا يوجب على الامة ان تعمل لتحرر المسجد الاقصى..
الطائفة المنصورة
وقال فضيلته في هذه القضية مايمكن اعتباره فتوى: حرام على أمة تزيد على المليار والنصف ( 23 % من سكان العالم أي حوالي ربع السكان) أن تصمت.. انها كثرة كغثاء السيل!!! .. ان لي ثقة في جماهير الامة الاسلامية وشعوبها، اذا فقدنا الثقة بمعظم القادة السياسيين فلن نفقدها في جماهير الامة الاسلامية فهذه الامة لاتموت ابدا، امة الخلود، فهل هناك كتاب بعد القرآن؟ بعد النبي محمد؟ لا، هل هناك شريعة بعد الاسلام؟ لا، انها وارثة النبوات والشرائع ولهذا حفظها الله تعالى.
ضمن الله لرسوله ان تبقى هذه الامة ومن ضمنها طائفة يسميها العلماء "الطائفة المنصورة" تقوم على الحق لايضرها من خالفها وتبقى على الحق.. علينا ان نؤيد هذه الطائفة في كل مكان، تحمل الراية وتوقظ الامة ولايمكن ان تجتمع هذه الامة على ضلالة.. علينا ان نقيم هذا الامة ونشد عضدها، وعلى هذه الامة المنصورة ان تتعاضد ومايسميه المجتمع مؤسسات المجتمع المدني.. لايمكن ان تنهزم هذه الامة امام العصابات الصهيونية، امتنا امة قوية لو تجمعت ووجدت قادة لها، عليها ان تجبر قادتها الا يفرطوا في مقدساتنا، وندعها لليهود هذه العصابات الاجرامية، لهذا دعونا الامة ان يتضافر بعضها مع بعض ويتنادوا لنصرة الحق ولابد ان يرتفع صوت الحق " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون".
لكم يوما قريبا
وقال القرضاوي محذرا: أيها الصهاينة ان لكم يوما قريبا، ان الظلم لايدوم ابدا ولقد ظلمتم وطغيتم واكثرتم في الارض كل الفساد والله عز وجل يملي ولايغفل ويمهل ولايهمل " سنستدرجهم من حيث لايعلمون. وأملي لهم إن كيدي متين".
كيد الله اقوى من كيدهم ومكر الله اكبر من مكرهم.. نحن امة العرب والاسلام قادرون على ان نفعل الكثير نحن قادرون على ان نؤيد اخواننا بأنفسنا فإن لم نستطع فبأموالنا.. الجهاد بالمال كالجهاد بالنفس، اخواننا في ارض فلسطين بذلوا الارواح وبذلوا الانفس كما رأينا في حرب غزة وقبلها، علينا ان نساندهم بتبني المشاريع التي تثبت اهل القدس، مشيرا الى جهد مؤسسة القدس التي يترأس فضيلته رئاستها لدعم جهود المسلمين والمسيحيين معا في القدس التي تسعى اسرائيل لتهجيرهم منها.. وعلينا ان نقاطع البضائع الصهيونية والامريكية ونذكر الناس بذلك، وعلينا ان ندعو الله ان ينصر اخواننا على اعدائهم ويرد سهام اعدائنا.
وفي خطبته الثانية قال القرضاوي: لابد ان يحمل كل منا هم القدس، هم هذه القضية، قضية فلسطين ورمزها القدس، القدس التي جعلوها من القضايا المعلقة مثل اللاجئين والحدود والمياه، الكل معلق، فما الذي حل؟ هذه قضية لابد ان يتبناها كل مسلم انها ليست قضية العلماء وحدهم ولا الحكام وحدهم، بل كل عليه مسؤولية يتساءل ماذا فعلت من اجل القدس؟ حدثت اخوانك من اجلها؟ اعددت اسرتك؟ تحدثت مع اولادك؟
يظن بعض الناس ان اسرائيل خطر على فلسطين وحدها بل انها خطر على الامة كلها؛ خطر على العرب وعلى المسلمين بل خطر على العالم كله؛ خطر سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي وديني، خطر من كل ناحية.. لابد ان نوعي الامة بهذه القضية فهي ليست قضية خاصة بالفلسطينيين.. لو ان الفلسطينيين تخلوا عن قضيتهم لوجب ان ندافع نحن عنها، انها ارض الاسلام، ولكن الفلسطينيين منذ ما يقرب من قرن من الزمان وهم يقاتلون عن ارضهم منذ ان احتل الانجليز القدس عام 1917..
وقال مختتما خطبته الثانية: على الامة بل على كل فرد ان يتبنى هذه القضية وان يعيها ويتحدث بها مع غيره حتى تظل حية مع كل فرد وفي رؤوس الجميع.
ودعا فضيلته في خطبة الجمعة من مسجد عمر بن الخطاب الأمة جميعها لأن تهب من أجل الاقصى ومن أجل القدس، محملا كل فرد المسؤولية عن ذلك، ونافيا أن تكون القدس مسؤولية الحكام وحدهم أو الفلسطينيين وحدهم أوالعلماء وحدهم، وتساءل: متى ستتحرك الأمة؟ متى يتحرك أبناؤها وقادتها التي ولتهم الأمة أمورها؟! هل ولتهم الأمر حتى يتمتعوا بكل شيء ثم لايصنعوا شيئا إذا ديست حرماتها؟!
وقال ساخرا: عذرهم أن العدو يمسك عليهم تسجيلات وهم يطالبون الكيان الصهيوني بأن يستمر في عدوانه، مطالبا بلجنة حيادية فلسطينية عربية تتقصى الحقائق وتبينها لنا ثم تعرضها على الأمة لتحاكم هؤلاء محاكمة علنية.
وبدأ فضيلته الخطبة قائلا: إن أهم ما يمكن ان يستعيذ منه المسلم هو الكوارث والمحن وشر الفتن، ذلك أن الفتن حين تصيب الامة تمزقها كل ممزق وتغير هويتها وتحرف مسيرتها.. والفتن نوعان: فتن من خارج المسلمين، وفتنة من داخل المسلمين، مفصلا ذلك على مر التاريخ الاسلامي، ومذكرا بنزول القرآن ليواسي المسلمين ويعزيهم..
" أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"، معددا إصابة الفتن للمسلمين في أبدانهم وفي أرزاقهم وفي أنفسهم وفي ايمانهم، مستشهدا بعمار بن ياسر وتعذيبه وأمه سمية وقول النبي لهم: "صبرا آل ياسر فإن موعكم الجنة"، ومات الاب والام تحت العذاب.. قائلا: من اجل هذه الفتن شرع القتال للمسلمين حتى لايفتن احد في دينه "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله".
واعتبر القرآن ان الفتنة اشد من القتل وان الفتنة نوع من القتل لان القتل اعتداء على كيان الانسان المادي اما الفتنة فهي اعتداء على كيان الانسان الروحي وارادته واختياره.. وذكّر فضيلته بالفتنة في الداخل بين المسلمين بعضهم وبعض فتلتبس عليهم الامور والحقائق ويختلط الحابل بالنابل وحذّرت الاحاديث منها، وفي هذه الفتن يهون الدين على الناس وتعظم الدنيا في اعينهم ويصبح الناس عبيد المال والسلطة والجاه والمنصب وينسون ربهم وآخرتهم..
إن من شر ماتبتلى به الامم التفرق الذي يجعلها شراذم يعادي بعضها بعضا، بل تجعل بعض الناس ينضم الى اعدائه ضد اهله واصحابه، وهي الفتن التي اصبحنا نراها باعيننا ونلمسها بايدينا، وكنا نقرأ عنها في الكتب ولانكاد نصدق حتى رأيناها عيانا بيانا ولمسناها جهارا نهارا.
حدث مالا يعقل
أرأيتم ماحدث في قضية فلسطين؟ قضية العرب والمسلمين الأولى في هذه الايام الاخيرة؟ حدث مالا يعقل ولايتصور ولايصدق، مايشبه الاساطير:ان يحرض الانسان على اهله! يحرض اعداءه على قومه! هذا مارأيناه.. رأينا الامم المتحدة ومجلس حقوق الانسان تتحدث عن حرب غزة الظالمة الباغية التي لم تتقيد باخلاق ولا بدين ولا بقانون ولا بأي شيء، طغت في البلاد واكثرت فيها الفساد، سفكت الدماء وهتكت الاعراض وانتهكت الحرمات ودمرت البيوت والمساجد وقتلت من المدنيين والشيوخ والاطفال والنساء ما يعلم الجميع..
وتأتي بعض الجهات بدلا من ان تحق الحق وتبطل الباطل وتقول كلمة من اجل الحقيقة، ومن قومنا ومن اهلنا ويحسب علينا وينسب الينا؛ يقول لهؤلاء: لا أجلوا هذا الامر.. أهذا يصدق؟! أن يقف الانسان ضد اهله؟! ضد نفسه؟ إلا ان يكون هؤلاء ليسوا منا... هم ليسوا منا، ولسنا منهم، لو كانوا منا لغاروا علينا وحسبوا لنا حسابا ولسعوا من اجل الامة؛ ولكنهم وقفوا مع الاعداء واعتذروا عن هذا الموقف، بماذا؟ انه عذر اقبح من ذنب: كانوا مضطرين الى هذا الموقف لان العدو يمسك عليهم اشياء لو اعلنها على الناس لكانت فضيحة الدهر، انه يسجل عليهم تسجيلات وهم يطالبون الكيان الصهيوني بأن يستمر في عدوانه وألا يكف عنه حتى يرغم هؤلاء على الركوع والخضوع.. حتى قال لهم بعضهم: هناك مدنيون.. فرد اخواننا على العدو بأنهم يستحقون فهم انتخبوهم واضربوهم جميعا!
لجنة حيادية
اتصدقون هذا؟ اهذا يمكن ان يحدث؟ انني من فوق هذا المنبر ادعو الى التحقيق الفوري في هذه القضية الكبيرة، تقوم به لجنة حيادية فلسطينية عربية تتقصى الحقائق وتبينها لنا ثم تعرضها على الامة لتحاكم هؤلاء محاكمة علنية، ولو ثبت انهم فعلوا ذلك فلابد ان ينالوا عقوبتهم ويجردوا مما اصبحوا يتمكنون منه؛ فلا يمكن ان يكونوا امناء على هذه الامة. كيف تجعل الذئب راعيا، كيف تجعل الخائن مؤتمنا؟! هذه هي المصيبة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ان من بين يدي الساعة سنين خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويخون فيها الامين ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في امر العامة"...
رأينا الخائنين بل رأينا المنافقين، بل رأينا الذين يبيعون انفسهم واوطانهم واديانهم واخلاقهم وكل شيء بثمن بخس " اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا".. الدنيا كلها لاتساوي عند الله جناح بعوضة، فماذا ينال هؤلاء من جناح البعوضة؟! باعوا اوطانهم من اجل جزء من جناح البعوضة باعوا اهليهم وشرفهم وكرامتهم.. خيبة الله عليكم، لعنة الله عليكم بوءوا بخزيكم، أخرجوا من هذه البلاد.. لستم اهلا لها، لقد خنتموها في اعز ما اؤتمنتم عليه...
يتولاها الأمناء
وقال فضيلته ماذا جرى للامة التي كانت في القمة حوالي عشرة قرون كانت هي الامة الاولى في العالم الاول، رائدة الحضارة، امة العلم والثقافة، عليها ومنها تعلمت اوربا يأخذون منها العلم والعمل والقيم والاخلاق، حين تتمسك هذه الامة بالاسلام تعلو رايتها واذا بعدت عن دينها تمكن منها اعداؤها وسلط عليها خصومها..
وهذا ما رأيناه في حروب الفرنجة وحروب التتار، حتى هيأ الله رجالا يدافعون عن حرماتها ويردون عنها اعداءها وينفخون فيها من روحهم وتعاد اليها قوتها مثل عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الايوبي: هؤلاء هم الذين جمعوا الامة من شتاتها واحيوها من مواتها وخاضوا الجهاد لتحريرها، وبمثل هؤلاء تنتصر الامم وتعز الرسالات وتعلو كلمة الله في الآفاق، اما الخونة والمنافقون والذين يبيعون دينهم بدنياهم بل بدنيا غيرهم فلا قيمة لهم.. لايجوز للخائن ان يتولى امانة الامة بل يتولاها الامناء "إن خير من استأجرت القوي الامين". أما الضعيف وأما الخائن فلا يستطيع ان يحمل مسؤولية ابدا..
الاقصى الحبيب
وانتقل فضيلته الى المسجد الاقصى متحدثا عن أن الله عز وجل قد ربطه بالمسجد الحرام وان المسجد الاقصى منتهى الاسراء ومبتدى المعراج، منه عرج بمحمد الى السماء وفيه أمّ محمد الرسل والنبيين وصلى بهم إماما، إشعارا بأن الامة انتقلت الى قيادة جديدة، من بني اسرائيل الى الامة العالمية التي تنتمي الى هذا الدين العظيم "كنتم خير امة اخرجت للناس".. "امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"..
هذا المسجد الآن وقبل الآن يتعرض لخطر شديد خاصة بعد الاحتلال الصهيوني للضفة وغيرها في 1967 ومن يومها وهم يفعلون مايشاؤون بالمسجد المقدس: حفريات من تحت وانتهاكات من فوق وكل يوم انتهاك جديد والامة لاتصنع شيئا، والامة منذ اربعين عاما من اغسطس1969 ومنذ احرق هذا الاسترالي جزءا من منبر صلاح الدين ثارت الامة الاسلامية واجبرت قادتها وملوكها وامراءها على ان يجتمعوا لاول مرة في القمة الاسلامية..
الآن يتعرض المسجد الاقصى لأخطار، خطر بعد خطر والامة لا تصنع شيئا حتى لا تحتج الاحتجاج القوي الصارخ الذي يدوي ولانسمعه، هناك فقط احتجاجات على استحياء خافتة من هذا وذاك: متى ستتحرك الامة؟ متى يتحرك ابناؤها وقادتها التي ولتهم الامة امورها!! هل ولتهم الامر حتى يتمتعوا بكل شيء ثم لايصنعوا شيئا اذا ديست حرماتها؟ على هؤلاء ان يقوموا بواجبهم، ووالله انهم قادرون على ان يصنعوا الكثير لو صدقت ارادتهم وتوحدت كلمتهم، لكن المشكلة انهم لايريدون ان يجتمعوا! متسائلا: هل الاقصى ملك للفلسطينيين وحدهم؟! لا انه للمسلمين جميعا وكل واحد يعرف حتى العامي ان الدفاع عن ارض الاسلام واجب على الامة الاسلامية، حتى تتحرر اي ارض من ارض الاسلام؛ فما بالكم بأن هذا الجزء المحتل من ارض النبوات، ارض المقدسات، ارض الاسراء والمعراج.. المسجد ليس مباركا وحده فقط بل الارض حوله مباركة وهذا يوجب على الامة ان تعمل لتحرر المسجد الاقصى..
الطائفة المنصورة
وقال فضيلته في هذه القضية مايمكن اعتباره فتوى: حرام على أمة تزيد على المليار والنصف ( 23 % من سكان العالم أي حوالي ربع السكان) أن تصمت.. انها كثرة كغثاء السيل!!! .. ان لي ثقة في جماهير الامة الاسلامية وشعوبها، اذا فقدنا الثقة بمعظم القادة السياسيين فلن نفقدها في جماهير الامة الاسلامية فهذه الامة لاتموت ابدا، امة الخلود، فهل هناك كتاب بعد القرآن؟ بعد النبي محمد؟ لا، هل هناك شريعة بعد الاسلام؟ لا، انها وارثة النبوات والشرائع ولهذا حفظها الله تعالى.
ضمن الله لرسوله ان تبقى هذه الامة ومن ضمنها طائفة يسميها العلماء "الطائفة المنصورة" تقوم على الحق لايضرها من خالفها وتبقى على الحق.. علينا ان نؤيد هذه الطائفة في كل مكان، تحمل الراية وتوقظ الامة ولايمكن ان تجتمع هذه الامة على ضلالة.. علينا ان نقيم هذا الامة ونشد عضدها، وعلى هذه الامة المنصورة ان تتعاضد ومايسميه المجتمع مؤسسات المجتمع المدني.. لايمكن ان تنهزم هذه الامة امام العصابات الصهيونية، امتنا امة قوية لو تجمعت ووجدت قادة لها، عليها ان تجبر قادتها الا يفرطوا في مقدساتنا، وندعها لليهود هذه العصابات الاجرامية، لهذا دعونا الامة ان يتضافر بعضها مع بعض ويتنادوا لنصرة الحق ولابد ان يرتفع صوت الحق " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون".
لكم يوما قريبا
وقال القرضاوي محذرا: أيها الصهاينة ان لكم يوما قريبا، ان الظلم لايدوم ابدا ولقد ظلمتم وطغيتم واكثرتم في الارض كل الفساد والله عز وجل يملي ولايغفل ويمهل ولايهمل " سنستدرجهم من حيث لايعلمون. وأملي لهم إن كيدي متين".
كيد الله اقوى من كيدهم ومكر الله اكبر من مكرهم.. نحن امة العرب والاسلام قادرون على ان نفعل الكثير نحن قادرون على ان نؤيد اخواننا بأنفسنا فإن لم نستطع فبأموالنا.. الجهاد بالمال كالجهاد بالنفس، اخواننا في ارض فلسطين بذلوا الارواح وبذلوا الانفس كما رأينا في حرب غزة وقبلها، علينا ان نساندهم بتبني المشاريع التي تثبت اهل القدس، مشيرا الى جهد مؤسسة القدس التي يترأس فضيلته رئاستها لدعم جهود المسلمين والمسيحيين معا في القدس التي تسعى اسرائيل لتهجيرهم منها.. وعلينا ان نقاطع البضائع الصهيونية والامريكية ونذكر الناس بذلك، وعلينا ان ندعو الله ان ينصر اخواننا على اعدائهم ويرد سهام اعدائنا.
وفي خطبته الثانية قال القرضاوي: لابد ان يحمل كل منا هم القدس، هم هذه القضية، قضية فلسطين ورمزها القدس، القدس التي جعلوها من القضايا المعلقة مثل اللاجئين والحدود والمياه، الكل معلق، فما الذي حل؟ هذه قضية لابد ان يتبناها كل مسلم انها ليست قضية العلماء وحدهم ولا الحكام وحدهم، بل كل عليه مسؤولية يتساءل ماذا فعلت من اجل القدس؟ حدثت اخوانك من اجلها؟ اعددت اسرتك؟ تحدثت مع اولادك؟
يظن بعض الناس ان اسرائيل خطر على فلسطين وحدها بل انها خطر على الامة كلها؛ خطر على العرب وعلى المسلمين بل خطر على العالم كله؛ خطر سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي وديني، خطر من كل ناحية.. لابد ان نوعي الامة بهذه القضية فهي ليست قضية خاصة بالفلسطينيين.. لو ان الفلسطينيين تخلوا عن قضيتهم لوجب ان ندافع نحن عنها، انها ارض الاسلام، ولكن الفلسطينيين منذ ما يقرب من قرن من الزمان وهم يقاتلون عن ارضهم منذ ان احتل الانجليز القدس عام 1917..
وقال مختتما خطبته الثانية: على الامة بل على كل فرد ان يتبنى هذه القضية وان يعيها ويتحدث بها مع غيره حتى تظل حية مع كل فرد وفي رؤوس الجميع.
التعليقات (0)